سافرت في سنة (1976م) من النجف الأشرف إلى سوريا لزيارة مرقد السيدة زينب (عليها السلام)، وكان عمري يومئذ خمسة عشر عاماً ورأيت عند مرقد السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليها السلام) آية الله المجاهد السيد حسن الشيرازي (قدس سره) وهو يصلي صلاة الظهر والعصر جماعة في محراب الحرم الشريف، لم أدرك ثواب الجماعة إذ وصلت متأخراً، ولكني أدركت ثواب اللقاء بهذا السيد العظيم في شخصيته وفكره وأخلاقه، جلستُ معه بعد أن ذهب المصلّون فعرّفته نفسي أني طالب للعلوم الدينية من البحرين أدرس في حوزة النجف الأشرف.
قدّم لي نصائحه البنّاءة وكنت بأمسّ الحاجة إليها في تلك الفترة وأنا في ريعان الشباب وقد نفخ في كياني روح العمل الاجتماعي، ودعاني إلى معرفة زماني إلى جانب طلب العلم والاهتمام بدروسي لم يطل اللقاء لضيق وقته ووقتي أيضاً. فودّعته وهو يدعو لي بالتوفيق والنجاح، وكان الوداع وداعاً أخيراً وأنا لا أدري بذلك، حيث رجعت إلى النجف ثم انقطعت عنه حتى بلغني نبأ استشهاده الفجيع في لبنان سنة (1980 م).
ولقد علمني آية كريمة أقرؤها لدفع شرّ الظالمين وبذلك قررتُ لأشتري بعض الكتب الثقافية والاجتماعية الممنوعة في العراق، فكانت مغامرة شاب مراهق، وكم من مغامرات نجحت وأورثت صاحبها نجاحاً أكبر.
وهكذا أنزلونا من الحافلة عند الحدود العراقية، وأخذوا يفتشون المسافرين تفتيشاً دقيقاً فكنت لأول مرة أرى تلك الطريقة في التفتيش، إذ كانوا يقلبون الحقيبة على الأرض بكل ما فيها، ثم يأمرون صاحبها بإرجاع الأشياء إليها قطعة قطعة مع فتحها واحدة تلو الأخرى.
فقبل أن يصل إليّ المفتش تلوتُ في قلبي الآية الكريمة التي أوصاني بها الشهيد السيد حسن الشيرازي (وجعلنا من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فأغشيناهم فهم لا يبصرون) كرّرتها مرات حتى انتصب المفتش أمامي قائلاً: ماذا معك في الحقيبة؟ قلت ملابسي الشخصية، فهل افتحها؟
قال: لا، امشي!